البيداغوجيا الفارقية (Pédagogie Différenciée)
هي مقاربة تربوية أساسية وليست مجرد نظرية جديدة، تهدف إلى تحقيق العدالة والإنصاف في التعليم والحد من ظاهرتي الهدر والفشل الدراسي [1، 6]. ترتكز هذه المقاربة على مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين [1، 4، 6].
تعريف البيداغوجيا الفارقية:
- يعرّفها لويس لوكران (Louis Legrand) عام 1973 بأنها "سيرورة تربوية تستخدم مجموعة من الوسائل التعليمية قصد مساعدة الأطفال المختلفين في العمر والقدرات والسلوكات والمنتمين إلى فصل واحد على الوصول بطرق مختلفة إلى نفس الأهداف" [1، 6، 8].
- يعرّفها مراد البهلول (Mourad Bahlool) عام 1995 بأنها "سعي متواصل لتكييف أساليب التدخل البيداغوجي تبعا للحاجات الحقيقية للأفراد المتعلمين" [1، 8].
- بشكل عام، هي روح عمل تربوية تهدف إلى أخذ خصوصيات المتعلمين بعين الاعتبار، وتتميز بكونها مقاربة مرنة وقابلة للتغيير، حيث تُبنى الأنشطة التعليمية وإيقاعاتها على أساس الفروق والاختلافات بين المتعلمين [2، 6، 8].
مرجعياتها الأساسية: تستند البيداغوجيا الفارقية إلى مرجعيات متعددة، منها:
- مرجعيات فلسفية: مثل مفهوم "قابلية الفرد للتعلم" الذي يؤكد على قدرة كل إنسان على التطور والارتقاء، والإيمان بقدرة الإنسان وتميزه بطاقة تعلم مفتوحة [2، 6، 8].
- مرجعيات تربوية: مثل نظرية كانط حول كمال الإنسان، وتركيز علم النفس التربوي على الطفل وآلياته الذهنية، ومفهوم الجودة.
- مرجعيات اجتماعية: مثل مبدأ تكافؤ الفرص والحد من الإخفاق المدرسي [2، 8].
- مرجعيات علمية وسيكولوجية: مثل علم النفس الفارقي وعلم نفس التعلم (كالبنائية والتفاعلية الاجتماعية) وعلم التدريس [2، 8].
أهداف البيداغوجيا الفارقية: تتصل أهداف البيداغوجيا الفارقية بجوانب متعددة:
- المحتويات والطرق: تطوير المناهج وتنوع الأساليب.
- العلاقة التربوية: تطوير العلاقة بين الأستاذ والتلاميذ وتنسيق الجهود.
- المؤسسة: إعادة تنظيم العمل المدرسي، مرونة التوقيت، وإعادة النظر في التقييم.
- الإنتاجية: الحد من ظاهرتي الفشل المدرسي والهدر الدراسي، وتطوير نوعية الإنتاج ومخرجات المؤسسة التعليمية [3، 6].
- أهداف ذات طابع تربوي عام: اعتبار شخصية المتعلم بجميع أبعادها، إكساب قدرة التكيف، تطوير المسؤولية الذاتية، خلق دافعية، وتحويل القدرات إلى كفايات [3، 8].
مقارنتها بالبيداغوجيا التقليدية: تختلف البيداغوجيا الفارقية جوهرياً عن البيداغوجيا التقليدية في عدة جوانب [4، 6]:
- الفروق الفردية: البيداغوجيا الفارقية تُبنى الأنشطة التدريسية على أساس الفروق الفردية وتحترمها، بينما البيداغوجيا التقليدية لا تأخذها بعين الاعتبار إلا في حال وقوع مشكل [4، 6].
- الذكاء: الفارقية تستغل الذكاءات المتعددة، في حين أن التقليدية تفترض مفهوماً موحداً للذكاء.
- القرار الذاتي والاهتمامات: الفارقية تتيح الفرصة للمتعلم للقرار الذاتي واهتماماته، بخلاف التقليدية.
- الأنشطة والواجبات: الفارقية تعتمد تنوعاً في الأنشطة والواجبات، بينما التقليدية توحدها.
- الاستقلالية والنمو الشخصي: الفارقية تعتبر استقلالية التعلم وهدف النمو الشخصي مهمين، عكس التقليدية.
- التقييم: الفارقية تعتمد التقييم المستمر، بينما التقليدية تقيم في نهاية الدورة فقط.
آليات التفريق في البيداغوجيا الفارقية: تتضمن آليات التفريق عدة أبعاد:
- التفريق في المضامين (Contenu): تكييف المحتوى التعليمي.
- التفريق في البنيات (Structures): تكييف الإطار التنظيمي لعمل المتعلمين.
- التفريق في المسارات (Processus): تكييف طرق التعلم والتدريس. يتضمن فعل التفريق خضوع التلاميذ لبنيات وطرق ومضامين مختلفة، لإعداد منتجات مختلفة.
- آليات أخرى: نسج علاقة نوعية مع جميع المتعلمين، وخلق فريق متعاون للعمل داخل المؤسسة، والتعامل بمرونة مع الزمن والفضاء المدرسي، وتنوع وسائل التفريق وتقييم مختلف عمليات التفريق [3، 6].
نظريات ومفاهيم مرتبطة:
- نظرية الذكاءات المتعددة لهوارد جاردنر (Howard Gardner): تفترض وجود ثمانية أنواع من الذكاء (البصري/الفضائي، اللغوي/اللفظي، الرياضي/المنطقي، الجسدي/الحركي، الشخصي/التفاعلي/الاجتماعي، الشخصي/الذاتي، الموسيقي/الإيقاعي، الوجودي/الطبيعي). يمكن التعرف عليها من خلال ملاحظة السلوك، سجلات المعلم والمدرسة، الحديث مع المعلمين والأولياء، النقاش، والاختبارات [5، 6، 8].
- يمكن للمدرس تطبيقها بتنويع مصادر التعلم، مرونة اختيار الوسيلة، مناهج متطورة، وسائل تقويم بديلة، وتصميم مشاريع متنوعة [5، 6].
- أنماط التعلم الشائعة: تشمل المتعلمين البصريين، السمعيين، والحركيين/اللمسيين، حيث يعتمد كل منهم على حاسة أو طريقة مفضلة لاكتساب المعلومات [6، 8].
- المتعلم البصري: يعتمد على حاسة البصر ويفضل المواد المكتوبة والصور والخرائط.
- المتعلم السمعي: يعتمد على السمع ويستفيد من القصص والمحادثات.
- المتعلم الحركي/اللمسي: يكتسب المعلومات عن طريق الأداء، اللمس، أو التجريب، ويحتاج إلى الحركة والتفاعل المادي.
- أساليب التعلم: مثل الأسلوب التحليلي (يفضل المعلومات بخطوات قصيرة ومنطقية) والأسلوب الكلي (يفضل المعلومات كوحدة كاملة) [6، 8].
تهدف البيداغوجيا الفارقية بذلك إلى تجديد التعلم بفتح أكبر عدد من المنافذ لأقصى عدد من التلاميذ، معتبرة الطالب شخصاً بتمثلاته الخاصة. إنها مقاربة شاملة تسعى لخلق بيئة تعليمية مرنة تستوعب الفروق الفردية وتمكن كل متعلم من تحقيق أقصى إمكاناته.